كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ} ويقال: باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ} ولو كانت (باسطون) كانت (أيديهم) ولو كانت باسطو أيديهم أن أخرجوا كان صوابا. ومثله مما تركت فيه أن قوله: يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا وإذا طرحت من مثل هذا الكلام (أن) ففيه القول مضمر كقوله: {وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يقولون: رَبَّنا.
وقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى... (94)}.
وهو جمع. والعرب تقول: قوم فرادى وفراد يا هذا فلا يجرونها، شبهت بثلاث ورباع. وفرادى واحدها فرد، وفرد، وفريد وفراد للجمع، ولا يجوز فرد في هذا المعنى. وأنشدنى بعضهم:
ترى النعرات الزرق تحت لبانه ** فراد ومثنى أصعقتها صواهله

وقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ... (94)}.
قرأ حمزة ومجاهد {بَيْنَكُمْ} يريد وصلكم. وفى قراءة عبد اللّه لقد تقطع ما بينكم وهو وجه الكلام. إذا جعل الفعل لبين ترك نصبا كما قالوا: أتانى دونك من الرجال فترك نصبا وهو في موضع رفع لأنه صفة. وإذا قالوا: هذا دون من الرجال رفعوه في موضع الرفع. وكذلك تقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد إذا أفردته أجريته في العربية وأعطيته الإعراب.
وقوله: {فالِقُ الْإِصْباحِ... (96)}.
والإصباح مصدر أصبحنا إصباحا، والأصباح صبح كل يوم بمجموع.
وقوله: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبانًا} الليل في موضع نصب في المعنى. فردّ الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: {سَكَنًا} فإذا لم تفرق بينهما بشيء آثروا الخفض. وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشيء أنشد بعضهم:
وبينا نحن ننظره أتانا ** معلّق شكوة وزناد راع

وتقول: أنت أخذ حقّك وحقّ غيرك فتضيف في الثاني وقد نوّنت في الأوّل لأن المعنى في قولك: أنت ضارب زيدا وضارب زيد سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيء كما قال امرؤ القيس:
فظلّ طهاة اللحم من بين منضج ** صفيف شواء أو قدير معجّل

فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك.
وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ... (98)}.
يعنى في الرحم {وَمُسْتَوْدَعٌ} في صلب الرجل. ويقرأ {فَمُسْتَقَرٌّ} يعنى الولد في الرحم {وَمُسْتَوْدَعٌ} في صلب الرجل. ورفعها على إضمار الصفة كقولك: رأيت الرجلين عاقل وأحمق، يريد منهما كذا وكذا.
وقوله: {فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ... (99)}.
يقول: رزق كل شيء، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء. وكذا جاء التفسير، وهو وجه الكلام. وقد يجوز في العربية أن تضيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضا، فيكون مثل قوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} واليقين هو الحقّ. وقوله: {مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ} الوجه الرفع في القنوان لأن المعنى: ومن النخل قنوانه دانية. ولو نصب: وأخرج من النخل من طلعها قنوانا دانية لجاز في الكلام، ولا يقرأ بها لمكان الكتاب.
وقوله: {وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ} نصب، إلا أن جمع المؤنث بالتاء يخفض في موضع النصب، ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا.
وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ} الوجه فيه الرفع، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسى والأنهار كان صوابا.
وقوله: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} يريد شجرة الزيتون وشجر الرمان، كما قال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} يريد أهل القرية.
وقوله: {انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ} يقول: انظروا إليه أول ما يعقد {وينعه}: بلوغه وقد قرئت {وينعه}، {ويانعه}. فأما قوله: وَيَنْعِهِ فمثل نضجه، ويانعه مثل ناضجه وبالغه.
وقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (100)} إن شئت جعلت الْجِنَّ تفسيرا للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه على: جعلوا الجنّ شركاء للّه تبارك وتعالى.
وقوله: {وَخَرَقُوا}: واخترقوا وخلقوا واختلقوا، يريد: افتروا.
وقوله: {ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (102)} يرفع خالِقُ على الابتداء، وعلى أن يكون خبرا. ولو نصبته إذ لم يكن فيه الألف واللام على القطع كان صوابا، وهو مثل قوله: {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ}. وكذلك: {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لو نصبته إذا كان قبله معرفة تامّة جاز ذلك لأنك قد تقول: الفاطر السموات، الخالق كل شيء، القابل التوب، الشديد العقاب. وقد يجوز أن تقول: مررت بعبد اللّه محدّث زيد، تجعله معرفة وإن حسنت فيه الألف واللام إذا كان قد عرف بذلك، فيكون مثل قولك: مررت بوحشىّ قاتل حمزة، وبابن ملجم قاتل علىّ، عرف به حتى صار كالاسم له.
وقوله: {وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ (105)} يقولون: تعلمت من يهود. وفى قراءة عبد اللّه وليقولوا درس يعنون محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وهو كما تقول في الكلام: قالوا لى: أساء، وقالوا لى: أسأت. ومثله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سيغلبون وسَتُغْلَبُونَ}.
وقرأ بعضهم {دارست} يريد: جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قال ابن عباس. وقرأها مجاهد (دارست) وفسّرها: قرأت على اليهود وقرءوا عليك.
وقد قرئت {درست} أي قرئت وتليت. وقرءوا {درست} وقرءوا {درست} يريد: تقادمت، أي هذا الذي يتلوه علينا شيء قد تطاول ومرّبنا.
وقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ (109)} المقسمون الكفار. سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت في الشعراء {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} والمراد بالآية في هذه الآية آية كونية ظاهرة يكون العلم عنها ضروريا. والظاهر أن المراد هنا ما يقترحونه من الآيات، وإن لم تكن ملجئة حتى تنسق مع ختام الآية. وجرى على ذلك البيضاوي.
فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن، فقال المؤمنون: يا رسول اللّه سل ربك ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: قل للذين آمنوا: وما يشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب في أنّ وما يشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن {نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا}، وقرأ بعضهم: {إنها} مكسور الألف {إذا جاءت} مستأنفة، ويجعل قوله: {وما يشعركم} كلاما مكتفيا. وهى في قراءة عبد اللّه: وما يشعركم إذا جاءتهم أنهم لا يؤمنون.
و(لا) في هذا الموضع صلة كقوله: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ}: المعنى: حرام عليهم أن يرجعوا. ومثله: {ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} معناه: أن تسجد.
وهى في قراءة أبىّ: لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون وللعرب في (لعلّ) لغة بأن يقولوا: ما أدرى أنك صاحبها، يريدون: لعلك صاحبها، ويقولون: ما أدرى لو أنك صاحبها، وهو وجه جيد أن تجعل (أنّ) في موضع لعل.
وقوله: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ (111)} هذا أمر قد كانوا سألوه، فقال اللّه تبارك وتعالى: لو فعلنا بهم ذلك لم يؤمنوا {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}.
وقوله: {قبلا} جمع قبيل. والقبيل: الكفيل. وإنما اخترت هاهنا أن يكون القبل في معنى الكفالة لقولهم: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا} يضمنون ذلك. وقد يكون {قبلا}: من قبل وجوههم كما تقول: أتيتك قبلا ولم آتك دبرا. وقد يكون القبيل جميعا للقبيلة كأنك قلت: أو تأتينا باللّه والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة. ولو قرئت قبلا على معنى: معاينة كان صوابا، كما تقول: أنا لقيته قبلا.
وقوله: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (112)} نصبت العدوّ والشياطين بقوله: جعلنا.
وقوله: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ} فإن إبليس- فيما ذكر- جعل فرقة من شياطينه مع الإنس، وفرقة مع الجنّ، فإذا التقى شيطان الإنسىّ وشيطان الجنىّ قال: أضللت صاحبى بكذا وكذا، فأضلل به صاحبك، ويقول له (شيطان الجنىّ) مثل ذلك. فهذا وحي بعضهم إلى بعض. قال الفرّاء: حدّثنى بذلك حيان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس.
وقوله: {وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)} الاقتراف: الكسب تقول العرب: خرج فلان يقترف أهله.
وقوله: {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)} من الشاكّين أنهم يعلمون أنه منزل من ربك.
وقوله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ (116)} في أكل الميتة {يُضِلُّوكَ} لأن أكثرهم كانوا ضلّالا. وذلك أنهم قالوا للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربّكم! فأنزلت هذه الآية: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ}.
وقوله: {هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ (117)} (من) في موضع رفع كقوله: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى} إذا كانت (من) بعد العلم والنظر والدراية- مثل نظرت وعلمت ودريت- كانت في مذهب أىّ. فإن كان بعدها فعل لها رفعتها به، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها كقولك: ما أدرى من قام، ترفع (من) بقام، وما أدرى من ضربت، تنصبها بضربت.
وقوله: {وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ (120)} فأما ظاهره فالفجور والزنى، وأما باطنه فالمخالّة: أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها.
وقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (121)} يقول: أكلكم ما لم يذكر اسم اللّه عليه فسق أي كفر. وكنى عن الأكل، كما قال: {فَزادَهُمْ إِيمانًا} يريد: فزادهم قول الناس إيمانا.
وقوله: {أَوَ مَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ (122)} أي كان ضالّا فهديناه.
وقوله: {نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} يعنى إيمانه.
وقوله: {الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ (124)} أي من عند اللّه، كذلك قال المفسرون. وهو في العربية كما تقول: سيأتينى رزق عندك، كقولك: سيأتينى الذي عند اللّه. سيصيبهم الصغار الذي عنده، ولمحمد صلى اللّه عليه وسلم أن ينزله بهم. ولا يجوز في العربية أن تقول: جئت عند زيد، وأنت تريد: من عند زيد.
وقد يكون قوله: {صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ} أنهم اختاروا الكفر تعزّزا وأنفة من اتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم، فجعل اللّه ذلك صغارا عنده.
وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ (125)} من ومن في موضع رفع بالهاء التي عادت: يخرج من بعضهما، ومن أحدهما.
وقوله: {ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ (131)} إن شئت جعلت (ذلك) في موضع نصب، وجعلت (أن) مما يصلح فيه الخافض فإذا حذفته كانت نصبا. يريد: فعل ذلك أن لم يكن مهلك القرى.
وإن شئت جعلت (ذلك) رفعا على الاستئناف إن لم يظهر الفعل. ومثله: {ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ} {وذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}. ومثله: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، {وذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ} الرفع والنصب فيه كله جائز.
وقوله: {مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ} يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم وهم غافلون لمّا يأتهم رسول ولا حجّة. وقوله في هود: {وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ} يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول: بشركهم {وأهلها مصلحون} يتعاطون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه- وهو أحبّ إلىّ من ذا لأن الشرك أعظم الذنوب- والمعنى واللّه أعلم: لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون.
وقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ (135)} {من تكون له} في موضع رفع، ولو نصبتها كان صوابا كما قال اللّه تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
وقوله: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ} إذا كان الفعل في مذهب مصدر مؤنثا مثل العاقبة، والموعظة، والعافية، فإنك إذا قدّمت فعله قبله أنّثته وذكّرته كما قال اللّه عزّ وجلّ: {فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} بالتذكير، وقال: {قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} بالتأنيث. وكذلك {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} وَأَخَذَتِ فلا تهابنّ من هذا تذكيرا ولا تأنيثا.
وقوله: {هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ (136)} وبرعمهم، وزعمهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر الزاى أحد نعلمه. والعرب قد تجعل الحرف في مثل هذا فيقولون: الفتك والفتك والفتك، والودّ والودّ والودّ، في أشباه لها. وأجود ذلك ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وفي قراءة عبد اللّه {وهذا لشركائهم} وهو كما تقول في الكلام: قال عبد اللّه: إنّ له مالا، وإنّ لى مالا، وهو يريد نفسه. وقد قال الشاعر:
رجلان من ضبّة أخبرانا ** إنا رأينا رجلا عريانا

ولو قال: أخبرانا أنهما رأيا كان صوابا.
وقوله: {وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ (137)} وهم قوم كانوا يخدمون آلهتهم، فزيّنوا لهم دفن البنات وهنّ أحياء. وكان أيضا أحدهم يقول: لئن ولد لى كذا وكذا من الذكور لأنحرنّ واحدا. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع لأنهم الذين زيّنوا.
وكان بعضهم يقرأ: {وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم} فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله، ويرفع (الشركاء) بفعل ينويه كأنه قال: زيّنه لهم شركاؤهم. ومثله قوله: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} ثم قال: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ}. وفى بعض مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء، فإن تكن مثبتة عن الأوّلين فينبغى أن يقرأ (زيّن) وتكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم في النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عشايا ثم يقولون في تثنية (الحمراء: حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا: {زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركايهم} وإن شئت جعلت (زيّن) إذا فتحته فعلا لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول من قال: إنما أرادوا مثل قول الشاعر:
فزججتها متمكّنا ** زجّ القلوص أبى مزاده

بشيء. وهذا مما كان يقوله نحويّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية.
وقوله: {وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا (139)} وفى قراءة عبد الله: {خالص لذكورنا} وتأنيثه لتأنيث الأنعام لأن ما في بطونها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير (ما) وقد قرأ بعضهم {خالصه لذكورنا} يضيفه إلى الهاء وتكون الهاء لما. ولو نصبت الخالص والخالصة على القطع وجعلت خبر ما في اللام التي في قوله: {لذكورنا} كأنك قلت: ما في بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصا وخالصة كما قال: {وله الدّين واصبا} والنصب في هذا الموضع قليل لا يكادون يقولون: عبد اللّه قائما فيها، ولكنه قياس.